السنة النبوية بين الأخذ والترك - بقلم : أحمد الأسيوطي
بقلم أحمد الاسيوطي :
سؤال من حسابي على الفيس بوك ارسلته احدى الأخوات تسأل :
سؤال صريح ارجو الاجابة الصريحة ايضا.هل لنا ان نأخذ ببعض الاحاديث الصحيحة وليست جميعها واعمال العقل ام هذا يعتبر انكار للسنة يعني اخذ الجميع او ترك الجميع وشكرا جزيلا واود ان اعرف رأي حضرتك ؟
====
رأيي :
يقول الحق سبحانه وتعالى :
( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ )
فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالكتاب والحكمة والتزكية ..
والكتاب هو القرآن الكريم
والحكمة والتزكية هي السنة النبوية
والمسلم مأمور بإتباع الحكمة , وتعلم الحكمة , والبحث عن الحكمة ولو في اطراف الارض
ولا نزال حتى يومنا هذا نستشهد بالحكم والامثال العربية التي كانت في الجاهلية او الحكم التي جائتنا من الصين او الفرس ..
فهل نقبل قول حكماء العرب والفرس والصين ونرفض قول رسول الله الذي ارسله الله ليعلمنا الحكمة وقال فيه " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنه " .. !!
فنحن مأمورون بإتباع الرسول والإقتداء بسنته وسنته " حكمة " .. والحكمة أيا كان مصدرها .. هي سنته , لأن رسول الله صلى الله وعليه وسلم كان يقر أًصحابه في كل قول يقولونه وفيه " حكمة "
ولكن هل كل حكمة هي مقبولة في شرعنا ؟
هناك ضوابط شرعية وعقلانية , فليس كل حكمة هي حكمة , لأنها خلاصة تجربة شعبية تتأثر بالبيئة التي نشأت وظهرت فيها .
من هذه الضوابط
اولا : اذا وافقت كتاب الله فهي حكمة وهي صحيحة لأن الله لا يأمر بالفحشاء
ثانيا : اذا وافقت المعقول والواقع ..
كل هذا يجعلها مقبولة في شرعنا ..
وكما علينا ان نتحرى صحة الحكمة ومشروعيتها وقبولها , علينا ان نتحرى صحة السنة ..
وقد ابتكر السابقون منهج لتحري صحة الحكمة او السنة النبوية يعتمد على اعتبارين
الاول : صحة السند
والثاني سلامة المتن ..
وقد يصح السند ولا يسلم المتن من الشذوذ او العلة القادحة ..
فكل امام وضع شروط , كان الغرض منها التحري في اثبات السنة النبوية وليس لهدم السنة النبوية او انكارها ..
ومن الغلو في الامعان في التحري ان نجد مثلا يقال هذا حديث صحيح او حديث حسن والفرق بينهما طفيف او يقال هذا حديث حسن لغيره .. او حديث حسن غريب او تفرد به فلان .. كل هذا من شروط التحري ..
ولم يكتفوا فقط بصحة السند كما ذكرنا وانما ينبغي كذلك سلامة المتن من الشذوذ اي الاضطراب في معناه وسنده وكذلك ان يخلو من العلة القادحة ..
والاخيرة ( العلة القادحة ) تفتح المجال واسعا امام كل فقيه وعالم ..
فمن العلل القادحة مخالفة النص للقرآن الكريم
او اصول الشريعة
او الواقع التاريخي
او يقينيات العلوم
وقد تقدمت العلوم النظرية والتطبيقية .. وصار من حقنا ان نضيف في شروط التحري ما لم يكن متوفرا للامام البخاري او مسلم او غيرهما ..
مثلا توافر مراكز البحوث العلمية يجعلنا نضيف شرطا جديدا لم يعرفه البخاري وهو عدم مخالفة المتن ليقينيات العلم التجريبي .. لأنها سنن كونية , وذلك قياسا على وجوب عدم مخالفة المتن للواقع .
فيقين العلم أو السنن الكونية .. هي واقع .. فعندما نترك حديث يتحدث عن نشأة الأرض أو الشمس أو القمر .. أو فوائد كذا الطبية ..
ثم يثبت ان كذا ليس لها اي فوائد فهنا نحن نترك الحديث تنزيها لرسول الله عن الخطأ في الوقائع العلمية وليس لاننا نتركها انكارا لها ..
( وعندما يترك فقيه حديثًا من أحاديث الآحاد، فهو لا يُتّهم بترك السنة، وغاية ما يوصف به أنه شديد التحري في الإثبات. )
, فنحن حين نضيف شرطا جديدا في قبول الحديث انما نزيد من ضوابط التحري وقيود الإثبات كما فعل البخاري نفسه عندما شدد في شروط قبول الاحاديث واضاف شروطا لم يضيفها الامام مالك في الموطأ ..
والامام مالك اشد ثقة في الرواية من البخاري نفسه ..
لأن مالك من شيوخ الطبقة الثالثة وقد قال الشافعي عن كتاب موطأ مالك «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك» ..
ثم جاء البخاري وزاد في شروط التحري وشدد فيها .. بل الامام مالك رحمه الله جمع الموطأ عشرة آلاف حديث وفي كل مره كان يراجعه ويشدد في التحري حتى تركه حوالي الف وخمسمائة حديث فقط !! ..
ونحن اليوم حين نأخذ ونترك فذلك لأننا نمارس حقنا كما مارسه السابقون في التحري والاثبات وليس في الانكار ..
ولكن ورثة علم الحديث منذ قديم الزمان وهم يعز عليهم ان يتكلم في فقه الحديث من ليس من طبقة الحديث حتى ولوكان الامام ابي حنيفة !!
ويرفضون تضعيفه لحديث حتى ولو كان العقل والقياس والقرآن يشهدان صحة ما ذهب إليه , ويأخذان بقول ابن حنبل مثلا لانه من طبقة المحدثين حتى لو صحح حديث لا يقبله عقل !! ..
وهؤلاء " طبقة المحدثين " حاولوا الاستئثار بعلوم السنة وليس لهم ذلك , فكل مسلم عليه التحري والتثبت وسؤال أهل التحري والتثبت ,
وان لا يقبل اي قول ينسب لرسول الله الخطأ او الجهل او مخالفة العقل .. خاصة اذا كان الحديث ظاهر المخالفة للقرآن والعقل والواقع واليقين العلمي ..
ان علينا ان نتحرى ونتثبت ولا حرج علينا فلئن نترك حديثا نشك في اثباته خير من ان نقول على رسول الله كذبا ما لم يقله ..
اي اننا نتركه لا انكارا بل مخافة الكذب .. حتى ولو صححه ألف واحد فلا أثم على من اجتهد في تحري الصدق وإلا فعلماء الحديث كلهم آثمون لان علمهم كله قائم على تحري الصدق وبيان الكاذب من الصادق من الواهم من المخرف من الوضاع ...الخ
ولا أنسى في الختام أن أبين ان هذا التحري والتثبت يجب أن يخلو من الهوى , ومن المزاجية , ومن رد حديث لمخالفة مذهب الراد !!
--
بقلم : أحمد الأسيوطي
قانوني وباحث في الدراسات الإسلامي
قانوني وباحث في الدراسات الإسلامي