لماذا نستخدم الشموع في مراسم تأبين الموتى ؟!
تختلف مراسم الجنازات وطقوسها من شعب إلى آخر وتتنوع ما بين الصمت حدادا , أو استعمال الزهور, أو إضاءة الشموع, أو إلقاء كلمات الوداع, وهناك من يستخدم الموسيقى من بين المراسم الجنائزية كجنائز المشاهير على سبيل المثال جنازة ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب .
ولعل أشهر مراسم التأبين في العالم اليوم هي إضاءة الشموع او القناديل
فما هي أصل تلك العادات ؟!
لا يحتاج الأمر إلى عناء كبير لمعرفة أصل الطقوس الجنائزية , فالحضارة الفرعونية هي أشهر من أهتم بالجنائز والدفن وتحنيط الميت وتشييعه إلى مثواه الأخير , حتى أنه يحلو للبعض بتسمية الحضارة المصرية القديمة بحضارة الجنائز او القبور , لشدة عنايتها بالإنسان ميتا في الحياة الآخرى , يعبر عن ذلك ان أشهر موروثاتها هو كتاب الموتى ( كتاب الخروج إلى النهار ) !! وأشهر ألهتها هو أوزير ( أوزوريس ) إله الموت والعالم الآخر
ففي إعتقاد المصري القديم أن الميت لا تفتح له أبواب السماء ليكون قريبا من الإله رع إله الشمس ما لم تقام له المراسم والصلوات الجنائزية كاملة والتي هي سبب سعادته في الحياة الأخرة وباب دخوله إلى الجنة بجوار رع إله الشمس
في تقليد لأسطورة أوزوريس , حيث جلست زوجته أيزيس وشقيقتها نفتيس تصليان على ضوء الشموع إلى الإله رع لإعادة أحياء زوجها فأرسل الإله رع انوبيس الذي قام بتجميع جثمان أوزيريس بعدما كان ست قد قطعة اربعة عشر قطعة وقام بتوزيعها على الأقليم المصرية الأربعة عشر
إذن الشموع هي السر .. هي رمز الإله رع إله الشمس !!
وفي كتاب الموتى يصرح الميت معترفا :
مرحباً، يا من يعانقه اللهب، لم أسطُ بعنف
مرحباً، يا آكل الظلال، أيها الخارج من موضع شروق النيل: لم أسرق.
مرحباً، أيها اللهب، الخارج , لم أختلس ما يخص الآلهة.
مرحباً، يا مضرم اللهب، أيها الخارج من حة-كا-بتاح (ممفيس) لم أنتزع طعاماً.
وقد عرفت الصلاة على ضوء الشموع طريقها إلى اليهودية والمسيحية والتي بات الجميع يعلم تأثرهما بالوثنيات القديمة
حيث يستخدم اليهود الشموع في عيد الفصح
ويعد أول من أقيمت له مراسم جنائزية على ضوء الشموع هو الإمبراطور قسطنطين أول امبراطور روماني , والقديسة بولا 386 ميلادي
ثم أصبحت الشموع طقسا أصيلا في الديانة المسيحية خاصة في الصلوات والأعياد والمناسبات .
"كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار" (يعقوب 17:1) .
كما إستعملت في الصلوات في ذكرى الشهداء تكريما وتحية لأرواحهم التي أضاءت في العالم ساعة، ثم انطفأت "لتضيء كالجلد في ملكوت الله".
"لكن بعد أن يفنى جلدي هذا، وبدون جسدي أرى الله" (أيوب 26:19).
كما تمثل الشمعة المؤمن الحقيقي، فكانت توضع أمام صورته في الكنيسة بعد موته، لذلك توضع الشموع أمام الأيقونات المقدسة وذخائر القديسين لأنهم بمثابة أنوار تضيء الطريق للكنيسة المجاهدة،ونجوم تتألق في سماء المجد (سفر دانيال 3:12).
وللدلالة على أنهم كانوا ومازالوا نورًا للعالم (الإنجيل بحسب القديس متى 15:5).
ولازالت الشموع تضاء عند الدعاء للقديسين بالشفاء او بتحقيق الأمنيات .
وحافظ المصريون على طقس السبع شمعات حتى بعد دخولهم في الإسلام , فنجد السيدات يذهبن إلى قبور الأولياء ويضئن سبع شمعات !!
وقد عبر عن ذلك الموروث الشعبي الشاعر الغنائي صلاح جاهين في الأوبريت الشهير أوبريت الليلة الكبيرة ( يأم المطاهر رشي الملح سبع مرات , بمقامه الطاهر خشي وقيدي سبع شمعات ) .
كما أصبح زيت الشموع ( زيت القناديل ) مادة إعجازية تستخدم في الشفاء من بعض الأمراض , كما عبر عن ذلك يحيى حقي في روايته قنديل أم هاشم
هذا هو الأصل التاريخي كما توصل إليه بحثنا حول استخدام الشموع في التأبين والمراسم الجنائزية فهي رمز الجسد الفاني والروح الباقية التي ترى الله الآن !
وعن مشروعية استخدام الشموع في التأبين ومراسم الجنائز في الشريعة الإسلامية , فلم نجد من فتاوى علما المسلمين سوى أنها بدعة لا أصل لها في الإسلام .
وان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا تعظيم الجنائز من خلال الوقوف لموكب الجنازة
كما تحفل الشريعة الإسلامية بأحكام خاصة بالجنازة بدأ من تكفين وتجهيز جسد الميت حتى الصلاة عليه صلاة مخصوصة بشكل مخصوص ليس كأي صلاة عادية , فهي صلاة بأربع تكبيرات ولا ركوع ولا سجود فيها .
والذي نراه أن على المسلم أن يتميز عن غيره من الأمم السابقة وتكون له هويته الخاصة المستمدة من روح الشريعة الإسلامية وأصولها ومقاصدها
فالدعاء للميت خير من اضاءة الشموع له
والصلاة للميت خير
والصدقة للميت خير
والوقوف حدادا تعظيما للموت خير
وقد غرس النبي جريدتين عند أحد القبور لما روى البخاري في الجنائز، باب الجريد على القبر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة اللذين مرّ عليهما النبي ﷺ وهما يعذبان في قبريهما وفيه: ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله: لِم صنعت هذا؟ فقال: «لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا».
فإن كان ولابد من مشاركة الآخرين مراسم التأبين- وقد اصبح العالم قرية صغيرة وأًبح الإجتماع مع أهل الأديان الاخرى في تلك المراسم حقيقة واقعة -فلا بأس ان يتميز المسلم بميزته الخاصة وليحمل جريدة او نباتا رطبا بدلا من الشموع
أو ليقف في ثبات يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم
فإن لم يجد ..فلا نرى بأسا بحمل الشموع , فإنما الأعمال بالنيات , وقد علمنا أن المعنى هو تكريم وتعظيم لمعنى الروح التي صارت الآن إلى جوار ربها بعد فناء الجسد .
---