"الأوڤر ثينكنج" الغرق بين الأفكار التشككية و الأسئلة الوجودية د. مي محمود عبد اللاه
لازلنا عزيزي القاريء نبحر سويا في سلسلة حلقات : ثغرات حياتية وفجوات نفسية ..
التي أخترنا لها موضوعات تمس الحياة وتؤرق النفس .. وفي حاجة إلى تيسير الوعي بها حتى يتسنى لنا التعامل معها وسد تلك الثغرات .. وملء تلك الفجوات , من أجل صحة نفسية أفضل .
وموضع اليوم عن :
الأوڤر ثينكنج : الفرق ما بين الأفكار التشككية و الأسئلة الوجودية ..
يأتي المساء فتتزاحم فيه الأفكار و الأسئلة الوجودية التي لا اجابة لها ، كيف ولماذا و لم و أين و ماذا و إلي متي ؟؟؟ ... نحاور فيها سقف حجرتنا فلا يأتينا الرد ولا يسعفنا بجواب ، يرجع إلينا صدي الصوت ليشابك أفكارا أخرى ملتحما بها مثل كرة الجليد كلما تدحرجت كبرت.
ثم يطل الصباح .. نفتش في الهاتف عن إشعارات جديدة من مواقع التواصل اياها , فنجد منشورا يزيد من شكوكنا و حيرتنا و يختم عليها بطابع الإلحاح والإصرار ويضفي مزيدا من خيوط التعقد و الاشتباك لينتج " بكرة " خيط كلما دفعتها لنهايتها , وجدتها تزداد
و تتفاوت الأفكار من أفكار عن الذات ، النفس ، الوجود ..وأفكار عن الرزق ، الدين ، الأحكام الشرعية .. وحتى أفكار مثل حقيقة الحب ، والعلاقات .. إلخ
الموضوع متشعب جدا ، لن استطيع الدخول في رأس كل قاريء أو شاكٍ لأعرف ما شكل "التفكير الفتاك " الخاص به ..أو الأوفر ثينكنج ( التفكير الزائد) الذي يملأ رأسه !
لذا حاولت ترتيب أشهر عناوين التفكير الزائد إجمالا في مجموعات ..
(( وأنوه أن هناك عدة طرق لعلاج التفكير الزائد ، إحداها مخصصة لعلاجه بصفته عرض مرضي لاضطراب القلق العام Generalized Anxiety Disorder والذي يصاحبه أعراض أخري مثل : توقع الأسوأ ( ترقب حساس وزائد وشائك للأحداث ) ، زيادة ضربات القلب ، زيادة النبض ، الصداع العصبي ، وأعراض جسدية أخرى كالقولون و القرح ، أرق و نوم غير منتظم و غيرها ، وهنا يأتي العلاج لهذه الأعراض بشكلين من أشكال العلاج أحدهما دوائي وأحدهما بالسايكوثرابي لتعديل السلوك و الأفكار و التحكم في المشاعر والعواطف )) .
أما التفكير الزائد في الأسئلة الوجودية و التشككية بحد ذاتها يمكن معرفة الرد عليها والاجابات عليها عن طريق سؤال شخص متخصص , كل في مجاله ..
وإنما نحن هنا بتلك المقالة نضرب بعض الأمثلة ؛
حقيقي أنه ليس معي عصا سحرية للرد علي كل سؤال ولكن هذه القواعد أو الأسس التي سنقدمها قد تدل على الطريق المنشود و تنبه الوعي التائه والمفقود ملئا للفجوات النفسية إياها و الثغرات الحياتية التي نحن بصددها ولعل نجد فيها جوابا أو ربما سؤالا جديدا يحرك ساكنا ، ويكشف غامضا ، وينير فكرة غائبة ، و يرفع حرجا .
مجموعات الأوفر ثينكنج ( التفكير الزائد ) .
* المجموعة الأولى : الأسئلة الوجودية الدينية
أسئلة على مثال : الانسان مسير أم مخير؟ ، ربنا ليه عمل كذا؟ ، مين قالك ان الدين ده صح؟ ، السنة ووصول الأحاديث؟ ، ليه المواريث كده؟ ، ليه شهادة الرجل تعادل امرأتين؟ ، ليه الست هي اللي تتألم ألم شهري و ألم الولادة والرضاعة والذي منه ؟، ليه الجنة مملة مفهاش انجازات وطموحات وسفر ؟، ليه فيه جنة ونار وحلال وحرام ؟، ليه فيه حد للسرقة؟ ، حد للزنا ، ليه آية واضربوهن ، ليه وليه وليه ... ؟
وهنا نقول :
=عندما تجد هذه الأسئلة تثور في رأسك عليك تذكر الآتي :
١-تعلم القاعدة :
" فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون "(يعني مش بوست علي الفيس ولا حوار مع صديق تائه أو غير متخصص) ، و اقرأ عما تبحث ( ان كان الغرض الوصول للحقيقة ) فكل هذه الأسئلة والموضوعات قتلت بحثا في علوم تحتاج إلى طول تعلم مثلها مثل الطب الذي يدرس بالسنوات أو الهندسة أو التربية أو التجارة ولكنه الجهل والكسل فابحث عن مختص متعلم.
٢- تجنب أثر المفاجأة :
ففي حالة الأسئلة الملقاه عليك من خارج نفسك , أعلم أن ملقيها عليك يعتمد علي جهلك وربما جهله ، وعنصر المفاجأة
إن فجائية السؤال و عرضه بمنطقية يجعلك تتشكك فعلا , ولكن اؤكد لك انه الجهل بالشيء ليس إلا..
فهناك مثلا علم الحديث لتفهم (وهو ليس مجموعة أحاديث لتحفظها ولكن علم زي علم الفلك والطب و الكيميا ) و بالمناسبة هو علم مطمئن جدا يحرق الظنون حرقا لما فيه من دقة و نقد وتفصيل يجعله أفضل من أدق بحث علمي معاصر .
هناك أيضا علي سبيل المثال مقارنة أديان (وبالمناسبة لماذا في مجتمعنا نركز علي وضع كفتين في الميزان فقط لديانتين فقط ، أليس هناك ديانات معنا في نفس المجرة والكوكب ؟ أم أن الأمر بهذا الشكل له أبعاد أخرى في فهم الاختلاف في مجتمعنا من الأساس) .
٣- لا تنخدع بأسلوب وشكل الطرح
أحكام المواريث كمثال آخر ليس بالشكل الذي يطرح ويروج أنه فقط للذكر مثل حظ الأنثيين فهناك ٦١ حالة أخرى للمواريث و فيها ١٤ حالة تميز فيها المرأة عن الرجل وذلك غير الحالات التي تتساوي فيها معه غير حالات ما ترثه هي فقط دونه ، .. ابحث عنهم...
٤- " لا يُسئل عما يفعل وهم يُسألون "
إن باقي الـ "لماذات" ان لم يشفيها رد "لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون " فأظن انه وجب سؤال :
ولماذا خلق العينين بهذا الشكل ؟ ، ولماذا المنخار بفتحتين بداخلهم شعر ؟، ولماذا المولود يولد بهذه الطريقة؟ ، ولماذا هناك شعر علي الجسد ؟ و ألم يكن هناك تصور أفضل لشكل اليدين والأرجل ؟ لماذا رئتين ومعدة واحدة ؟ لماذا الأمعاء ملفوفة ؟ لماذا الكلي تخرج البول بهذا الشكل؟ ...
لم نسمع هذه الاعتراضات الجسدية من قبل علي خلق المولي و تشريعه وتشكيله؟ أم هو اعتراف بالإعجاز الجسدي و لا يهم الإعجاز النفسي ؟ أم أن الأمور النفسية غير مهمة ؟ ...
هوب هوب يا مثقف يا مناصر الأمور النفسية و أهميتها .. إنتبه !!
الذي خلق الجسد بابداعه ودقته ,خلق النفس بسلوكها وما يضبطها ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) .
دعنا نضرب مثالا من علم النفس؛ يوجب التفريق بين الرجل والمرأة :
الإدراك perception >> يتأثر بالمشاعر Emotions
و المشاعر >> أكثر حدة عند الإناث..
وثبات الإدراك >> من ثبات العاطفة >> يؤدي إلى ثبات الحكم >> ومن ثم ثبات الشهادة .
هل فهمت الآن ؟ .. "آدي الزرعة و آدي اللي زرعها".
* المجموعة الثانية : الأسئلة الوجودية الخاصة بالخوف من الأمراض
توقع الأسوأ وانتظار حدوثه مثال :
أخاف أحسن ييجي لي كانسر ، أحسن أتشل ، أحسن أموت ، أحسن يبقي مصيري زي فلان ، أحسن يكون عندي المرض الوحش ، أحسن أحسن أحسن ...
وهنا نقول :
=ان لم تسعف أسئلتك اجابات مثل"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " و "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فيسعفك تذكر نفس قاعدة
"واسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون " .
كل مرض تسأل المختص عنه لتطمئن وتفهم طرق علاجه ووقايته وفرص اصابتك به ( ولن يجدي القراءة عنه في جوجل أو مقالات غير متخصصة بل قد تزيد الطينة بلة فقد يؤدي بك التخبط في مقالات غير متخصصة لأن تلبس نفسك أعراض ما قرأت بفعل الوهم ).
*المجموعة الثالثة : الأسئلة الوجودية الخاصة بالزوج /الزوجة / الأبناء
أحسن يخوني ، يتجوز علي ، أحسن يجراله حاجة ، أحسن يغدر بي مثل زوج هناء وهند وهبة وهانم و هدي و همت ، أحسن تاخد الدهب وتمشي ، أحسن تتجوز بعدي ، أحسن العيال يتشردوا ، أحسن يجرالهم حاجة ، أحسن حد يمرض المرض الفلاني .
وهنا نقول :
=ان لم تسعفك اجابات : الرضا بالمقسوم أيا كان ، فأعتقد سينجدك فكرة ألا تجعل القلق والخوف والغضب يعاش مرتين .
عند حدوثه سأعطيك حينها مناشف لتجفف دموعك ونبحث عن حلول وعلاجات ، لكن .. أن تظل سنوات طوال تخشي حدوث شيء لا تعلم مدى احتمالاته فهذا هو درب الجنون الفكري بعينه .
امضِ وسر بقلب مطمئن فلا يمنع حذر من قدر ، واستهلك طاقة التفكير في الأفكار الايجابية لأن الأفكار السلبية لن تنتهي و في بلادنا تتجدد و تستحدث من العدم ، بيض قلبك واخلص وجهك ، واعبد ربك وسر متوكلا ، تذكر أن الخطة الحياتية ليست بتخطيطك أنت .
رفعت الأقلام وجفت الصحف
*المجموعة الرابعة : الأسئلة الوجودية الحياتية والمقارنة بين معيشة الشرق والغرب /المجتمعات الدينية واللا دينية
ليه الدين مهم رغم ان بعض المجتمعات اللادينية متفوقة عننا و مبدعين وأصحاب علم عننا ؟ ، ايه لزمة الحجاب ؟ مش هو ده اللي هيرقي الناس يعني ؟ ، ايه لزمة الدين ؟ اذا كان المجتمعات اللادينية أخلاقهم عالية ؟ ، ليه هما مرفهين عننا ؟، حياتهم أبسط رغم اننا احنا اللي بنعبد ربنا و بنحاول وهما الدين مش في أولوياتهم ؟ .
وهنا نقول :
= لعله يجدي أن تضع في الاعتبار أيضا الآتي:
١- أن أصول العلوم الأولي من فلك وحساب وجبر وطب وكيمياء قد كانت من بلادنا في وقت كان فيه انسان تلك المجتمعات الاخرى يعيش ظلمة الكهوف والخوف من الوحوش.
٢-من منا الآن يقيم الدين وحدوده فعلا ؟ فنحن فقط نتقلب ما بين الفيسبوك وتويتر و كرة القدم وكسل الموظفين و الفهلوة و التحايل والغش و السرقة و غيرها .
٣- غير المؤمنين تيسر لهم متاع الدنيا لأنه المتاع الوحيد الذي سيحصلوا عليه ، اشتغلت هتاخد ، تعبت هتلاقي ...
الحساب مختلف عند الشعوب الدينية فقد تبتلي وقد يحجب رزق و قد يؤجل استجابة دعاء وقد تختبر بالمنع حتي مع العمل والسعي إيمانا واحتسابا وصبرا وطمعا في جزاء آجل .
٤- الأخلاقيات ظاهريا أفضل في المجتمعات اللادينية .
ولكن لا تغفل أيضا أنه تحت شعار الحرية يظل الانتحار أعلي في هذه المجتمعات ، ممارسة الجنس وشذوذه أعلي و بتفرد ، ويظل الارهاب والقتل والعنصرية موجودين بشكل جموعي علي هيئة حروب و استيلاءات دولية كبرى تحت شعار تلك الأخلاقيات وهي افععال لا تقارن حتي بفرديات وعناصر بعينها في مجتمعاتنا فبم تفسر وهل هي أخلاقيات حقيقية أم شكلية ؟ .
*المجموعة الخامسة : الأسئلة الوجودية المختصة بالحب والزواج والذات والرزق
أنا وحشة / جسمي وحش / تخينة / أنا فقري / سابني ليه/ ليه اتطلقت / ليه اتجوزت دي / أنا خلاص كبرت محدش هيتقدم لي/ هجيب فلوس منين / أنا بخسر ليه ... الخ الخ .
هنا نقول :
=ان لم يبرد هم قلبك "ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك "
فلعل التفكر في هذه النقاط مفيد لك :
١-الوحاشة / الجمال :
هو أمر نسبي من مجتمع لمجتمع ومن ثقافة لثقافة وحسب المجتمع المحيط بك ستضع قالب للجمال ، و الحق أن الزواج والارتباط لا علاقة له بالمقاييس المحيطة للجمال وإلا كيف تفسر أن المئات غير الجميلات بالمقاييس المجتمعية يتزوجن أسرع و أسهل و أكثر من الكثير من الجميلات التي يتأخر زواجهن او ارتباطهن .
٢-جسمي تخن / جسمي خس
حقيقة الأمر ان في عالم الانجذاب الجسدي فإن لكل عين ما يجذبها ، لا مقياس ولا حدود فالسمينة لها تصنيف واسم في عالم الانجذاب ، الرفيعة لها اسم و تصنيف ، الكبيرة ، الصغيرة ، ذوات العلامات الواضحة المميزة لكل واحدة ،كل نوع له نوع يشعر فيه وله بالانجذاب .
٣-أنا كبرت : ما الذي يحكم على الكبر ؟
ليس السن بالتأكيد ، لو أن فتاة ذات ١٥ عاما و ثانية ذات ٢٥ و أخرى ذات ٣٥ تزوجن في نفس الموعد، تري بعدها بسنة كيف ستكون اهتمامات فتاة ال١٥؛٢٥؛٣٥؟ ...
كلهن بعد عام اهتماماتهن وأسئلتهن ستنحصر في :
الحمل والرضاعة و كيف تبدين جميلة أمام زوجك؟ وطرق العناية بالمولود ...
إذن التجربة وخوضها (أي تجربة ) هي ما تحكم علي مسألة الكبر والصغر ، فليس من المنطق أن نقارن بين : واحدة (أيا كان سنها) بكامل عفويتها وتلقائيتها و جموح خيالها و لم تتعرض هرموناتها صعودا وهبوطا بأي تجربة ولم يرهق جسدها بمتطلبات الحياة الزوجية ووجود الأطفال وبين واحدة من نفس سنها متزوجة من عشر سنوات أكل عليها الزمن وشرب و تقول : أصل كبرت ! .
و المثال الثاني الذي يؤكد أن الموضوع مختلف من بيئة لأخري وغير معتمد علي الجمال الحقيقي للمرأة كونها أنثي قادرة علي العطاء والحب و المشاركة أيا كان سنها هو : مجتمع أهل الفن .
لو أخذنا مجتمع الفنانين والفنانات كمثال لمقاييس الجمال و الأنوثة مثلا فأغلبهن يرتبطن في سن متأخرة بمعايير بيئة أخرى و لا تشعر احداهن أنها "كبيرة" أو أن بها عيب ، بل أنها تشعر بكامل أنوثتها وعطائها في أواخر الثلاثينات والاربعينات واكثر .
و أخيرا ؛ لن يتحمل مقال واحد تقليب أفكار الأوڤر ثينكنج و يبدو أن هذا مرهق جدا و أعتقد أنه من الأفضل أن تفز الآن و تتخمد و تنام ....
وأستعن بالله فإن :
(( جنود الله :الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته؛ والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السكر، والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله الهم))
فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن ؛ والسلام ختام .
د.مي محمود عبداللاه
أخصائي المخ و الأعصاب والطب النفسي