القاضي حكيم منير صليب الذي قضى ببراءة الشعب وإدانة السادات !
كتبت سلوى حسين :
حكيم منير صليب هو معالي المستشار القاضي حكيم منير صليب رئيس محكمة الجنايات أبان الفترة التي اندلعت فيها إنتفاضة يناير 1977 والتي منحها السادات رحمه الله وصف ( انتفاضة الحرامية ) فرد عليه المستشار حكيم منير صليب بأنها انتفاضة شعبية ومنحها وصف : انتفاضة الخبز
حكيم منير صليب هو معالي المستشار القاضي حكيم منير صليب رئيس محكمة الجنايات أبان الفترة التي اندلعت فيها إنتفاضة يناير 1977 والتي منحها السادات رحمه الله وصف ( انتفاضة الحرامية ) فرد عليه المستشار حكيم منير صليب بأنها انتفاضة شعبية ومنحها وصف : انتفاضة الخبز
القصة وكيف بدأت ؟
في أواخر السبعينات من القرن المنصرم صرح عبد المنعم القيسوني وزير الشئون المالية والاقتصادية في مجلس الشعب عن خطة الدولة في رفع الأسعار وذلك عند عرضه مشروع خطة موازنة عام 1977
لتندلع انتفاضة قوية تهز مصر كلها من أسكندرية إلى اسوان حيث كان الرئيس السادات في منتجعه يلتقي بأحد رؤساء دول أوربا الشرقية
وقد حاول السادات السيطرة بوسائل الأمن العادية ( وزارة الداخلية ) ولكن الداخلية فشلت في حفظ الأمن واصبح النظام المصري مهددا في وجوده , مما أضطر الرئيس السادات إلى الإستعانة بالقوات المسلحة المصرية في أول نزول لها واحتحاك بالشارع المصري بعد حرب أكتوبر المجيدة
ولكن يكن السادات واثقا في قدره الجيش على حفظ الأمن واستعادة الهدوء حيث تم ابلاغه مباشرة من المشير الجمسي بأن الجيش المصري لن يضحي بمكانته في قلوب الجماهير التي اكتسبها بعد انتصارات أكتوبر .
ولكن .. تم استعادة الهدوء وقدم رجال مباحث أمن الدولة 176 متهما معظمهم من اليساريين إلى القضاء بتهمة محاولة قلب نظام الحكم !! .
و جلس المستشار حكيم منير صليب على منصة المحكمة, قاضيا في قضية من أخطر القضايا القومية , فالتهمة الموجهة إلى المتهمين فيها لم تكن تهمة عادية بل كانت "محاولة قلب نظام الحكم" , وحتى تلك التهمة برغم خطورتها لم تكن هي أخطر ما في القضية, و إنما كمنت الخطورة في أن هيبة النظام الحاكم بأكمله قد إنهارت بعد مظاهرات 18 و19 يناير, حتى ان الكاتب الصحفي والمؤرخ السياسي محمد حسنين هيكل ذكر في كتابه خريف الغضب أن السادات كان قد أعد طائرة خاصة في احدى القواعد في المنوفية مسقط رأسه استعدادا للهرب إلى السودان موطن أمه ست البرين حيث اعتقد أن تلك المظاهرات هي ثورة شعبية في طريقها للنجاح.
أعتقد السادات أن قرار المحكمة سيكون في صالحه وأن المحكمة ستنحاز ولو قليلا إلى جانب رئيس الجمهورية وتصدر أحكاما قاسية في حق المتهمين, ووثق المتهمون وجلهم من كوادر اليسار المصري في عدالة القضاء.
وكان حكم المستشار "صليب" قاسيا وعادلا في نفس الوقت
قاسيا على النظام, وعادلا على 176 متهما حكم ببرائتهم جميعا من التهم المنسوبة إليهم.
حيثيات الحكم :
قال المستشار حكيم منير صليب في حيثيات الحكم "والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها, أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار, فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلي سبب آخر غير تلك القرارات, فلقد أصدرت علي حين غرة وعلي غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلي الشارع للناس محرضا ومهيجا".
وهكذا برأ الـقاضي الـ "حكيم" أبناء الوطن, واتهم النظام نفسه بالتسبب فيما حدث.
وانقلب السحر على الساحر
وذلك حيث حول القاضي منير صليب المحاكمة إلى محاكمة للنظام الحاكم نفسه متحدثا بلسان الملايين من أبناء الشعب المصري صارخا بآلامهم في وجه ظالميهم فيقول "ولكن المحكمة وهي تتصدي لتلك الأحداث بالبحث والاستقصاء لعلها تستكشف عللها وأسبابها وحقيقة أمرها, لابد أن تذكر ابتداء أن هناك معاناة اقتصادية كانت تأخذ بخناق الأمة المصرية في ذلك الحين وكانت هذه المعاناة تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة والضروريات الأساسية للإنسان المصري, فقد كان المصريون يلاقون العنت وهم يحاولون الحصول علي طعامهم وشرابهم, ويجابهون الصعاب وهم يواجهون صعودا مستمرا في الأسعار مع ثبات في مقدار الدخول".
"ثم إن المعاناة كانت تختلط بحياتهم اليومية وتمتزج بها امتزاجا, فهم مرهقون مكدودون في تنقلهم من مكان لآخر بسبب أزمة وسائل النقل، وهم يقاسون كل يوم وكل ساعة وكل لحظة من نقص في الخدمات, وفوق ذلك كان أن استحكمت أزمة الإسكان وتطرق اليأس إلي قلوب الناس والشباب منهم خاصة من الحصول علي مسكن وهو مطلب أساسي تقوم عليه حياتهم وتنعقد آمالهم في بناء أسرة المستقبل".
ولخص المستشار حكيم منير صليب السبب المباشر في إندلاع الإنتفاضة :
وهو غلاء الأسعار في الوقت الذي كان يعد فيه النظام المصري برئاسة السادات بالرخاء و الرفاهية .
فيقول :
"وسط هذه المعاناة والصعاب كان يطرق أسماع المصريين أقوال المسئولين والسياسيين من رجال الحكومة في ذلك الوقت تبشرهم بإقبال الرخاء, وتعرض عليهم الحلول الجذرية التي سوف تنهي أزماتهم, وتزين لهم الحياة الرغدة الميسرة المقبلة عليهم, وبينما أولاد هذا الشعب غارقون في بحار الأمل التي تبثها فيهم أجهزة الإعلام صباح مساء, إذ بهم وعلي حين غرة يفاجأون بقرارات تصدرها الحكومة ترفع بها أسعار عديد من السلع الأساسية التي تمس حياتهم وأقواتهم اليومية".
ويضيف الـقاضي حكيم منير صليب :
"هكذا دون إعداد أو تمهيد فأي انفعال زلزل قلوب هؤلاء الناس، وأي تناقض رهيب بين الآمال وقد بثت في قلوبهم قبل تلك القرارات, وبين الإحباط الذي أصابهم به صدورها, ومن أين لجل هذا الشعب ومعظمهم محدود الدخل أن يوائموا بين دخول ثابتة وبين أسعار أصيبت بالجنون و إذا بفجوة هائلة تمزق قلوب المصريين ونفوسهم بين الآمال المنهارة والواقع المرير, وكان لهذا الانفعال وذلك التمزق أن يجدا لهما متنفسا وإذا بالأعداد الهائلة من هذا الشعب تخرج مندفعة إلي الطرقات والميادين, وكان هذا الخروج توافقيا وتلقائيا محضا, وإذا بهذه الجموع تتلاحم هادرة زاحفة معلنة سخطها وغضبها علي تلك القرارات التي وأدت الرخاء وحطمت الآمال وحاولت جهات الأمن أن تكبح الجماح وتسيطر علي النظام ولكن أني لها هذا والغضب متأجج والآلام مهتاجة".
لم يبرئ القاضي العادل "حكيم صليب" ابناء الوطن المتهمون في القضية وحسب, بل برأ الشعب المصري كله من التهمة التي اتهمه بها الرئيس "المؤمن" محمد أنور السادات الذي وصف الإنتفاضة التي إندلعت من الإسكندرية إلى أسوان بأنها "إنتفاضة حرامية"
فرد عليه القضاء المصري ووصفها بأنها "إنتفاضة شعبية", "إنتفاضة الخبز".
وفي ظل ترقب زيادة الاسعار المتوقع بعد رفع الدعم عن البنزين والمحروقات في يونيو القادم .. كان رأينا ان نبرز هذه الواقعة محذرين ومنذرين لعل كلمات المستشار حكيم منير تلقى آذانا صاغية !!
اقرأ ايضا :
هل ينتهي عقد إيجار المحل التجاري بوفاة المستأجر ؟
اقرأ ايضا :
هل ينتهي عقد إيجار المحل التجاري بوفاة المستأجر ؟